هل أنت شاكٌّ في رزق الله؟!
قال تعالى: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة هود، آية6
من المعلوم بالضّرورة من دين الإسلام أنّ المراحل الّتي سيمرّها الإنسان خلال هذه الإقامة القصيرة الأمد مدوّنةٌ مكتوبة قبل خلق الإنسان في اللّوح المحفوظ، ثمّ في ديوان الملك الّذي يسجّل فيه بعد مئةٍ وعشرين يوماً منذ تدفّق نطفة ذلك الإنسان إلى رحم أمّه، ثبت ذلك فى حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عند الشيخين.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ رُوح القُدْس نفث في رَوْعِي ، أنَّ نَفْساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته"
صحيح الجامع،برقم (2085)
هذا، وممّا لفت نظري ممّاله صلةٌ بهذه المسألة أنّ كثيراً من المسلمين يقعون في معاصٍ كثيرة من أجل الرّزق، ومنهم مَن إذا نُصح له يقول: كيف أصنع بعِيالي وأهلي؟ ولهؤلاء أسوق أربع قصص وقعت لبعض عُلمائنا الأجلّة حتّى يأخذوا العِبَر من سِيَر أولئك ويقتدوا بهم.
- الأولى: قصّة سفيان الثّوري (ت: 126هـ) مع رجل من كُتَّاب الأمراء:
"كان رجلٌ من أصدقاء الإمام سُفيان بن سعيد الثّوري من كُتّاب أمراء زمانه، فعاتبه سُفيان وقال له: كُلّمادُعِي بأميرٍ دُعيتَ - أنتَ -معه، فسُئلت عمّاجرى على يدِكَ - يعني يوم القيامة- فأنت أسؤأُهم حالاً!
فقال له الرّجل: فكيف أصنع بعِيالي؟ فقال سُفيان: اسمعوا هذا، يقول: إذا عصى الله رُزِق عِيالُه، وإذا أطاع الله ضُيِّع عِيَالُه! ثمّ قال سُفيان: لاتقتدوا بصاحب عِيَالٍ، فماكان عُذْرُ مَن عُوتب إلّاأن قال: عِيَالِي!" ( مجموع رسائل ابن رجب745)
- الثّانية: قصّة فتح بن سَعيد المَوصِلي (ت:220هـ فتح الصغير من أقران بشر الحافي):
" كان فتح المَوصلي يجمع عِيَاله في لَيالي الشّتاء، ويَمُدُّ كِساءه عليهم، ويقول: أَجَعْتَني وأجَعْتَ عِيَالي، وأَعْرَيتَني وأعريتَ عِيَالي، فَبِأَيِّ وسيلةٍ توسَّلْتُ بها إليك حتّى تفعل هذا بي؟! وإنّماتفعل هذا بأوليائك وأحسابك، فهل أنامنهم حتّى أفرح؟
وعَرِيت ابنةٌ له يوماً، فقيل له: لوطلبتَ من أحدِ أن يكسُوها؟ فقال: أَدَعُها حتّى يرى الله عُرْيَها وصَبْرِي على ذلك" (مجموع رسائل ابن رجب 746- 747)
- الثّالثة: قصّة الإمام الشّاطبي (ت790هـ) مع بعض أصدقائه حين اضطرّتهم الظّروف أن يقبلوا الإمامة مع الدعاء للجماعة:
فقال لهم الإمام الشّاطبيّ مؤنِّباً: (بلغني أنكم رجعتم إلى الإمامة، واشتُرط عليكم في الرجوع أن تدعوا بهيئة الاجتماع في أدبار الصلوات، فالتزمتم الشرط، فإن كان ذلك لأنكم ظهر لكم الصواب فيه فما بالكم لم تعرِّفوا مُحِبَّكم بوجه صوابه، فيكون تعاوناً على البر والتقوى؟!، وإن كان ذلك لأجل المعيشة فقد اتهمتم الرب سبحانه في ضمان الرزق، أو لغير ذلك فعرِّفوني به)
(فتاوى الإمام الشاطبي،ص129)
- الرّابعة: في رسالة الشيخ مُحمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله (ت1206هـ) إلى أحمد بن عبدالكريم من أهل الحسا :
وردت في هذه الرّسالة عباراتٌ تدلّ على أنّ من أسباب انحراف الرّجل الالتفاتُ إلى مصالح دُنيويّة، فمن كلام الشيخ مُحمّد رحمه الله على ذلك:
" والشُّبهة الّتي دخلت عليك هذه البُضَيعة الّتي في يدِك تخاف تغدي أنت وعيالُك إذا تركتَ بلد المُشركين وشاكٌّ في رزق الله، وأيضاً قُرناء السّوء أضلّوك - كماهي عادتهم-"
" وتَفكّر هل هذا بسبب أنّ عقيدته تغيّرت أم من أجل الدّنيا؟"
" أُشير عليك أن تكثُر من التضرّع والدّعاء إلى مَنِ الهِداية بيده؛ فإنّ الخطر عظيم، فإنّ الخُلود فى النّار جزاء الرّدة الصّريحة مايُسوّى بُضَيعةً تربح توماناً أونصف تومان، وعندنا ناسٌ يجيئون بعِيالهم بلامالٍ، ولاجاعُوا ولاشحذوا، وقد قال الله في هذه المسألة: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) العنكبوت، آية 56. وقال أيضاً: {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} العنكبوت،آية60"
( مؤلّفات الشيخ الإمام محمد، ج7، ص216-224)