المنفيات السبع لجزء كلمة التقوى الثاني
كلمة (محمدٌ رسول الله)، تنفي من القلب وتغسله من أعداء الرسل وهم سبعة:
الأول: المبتدعون المفترون؛ فكل مبتدع مفتر بإطلاق
1- وقول الله تعالى: (قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُون). ليس ثمة إلا احتمالان لا ثالث لهما ونعرف الإذن من الله بالاجتهاد في أمر من الأمور بأن يكون الصحابة قد اجتهدوا فيه.
2- وقول الله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا). والأمور التي لم يختلف فيها الصحابة قد تبين فيها الهدى ولم يؤذن بالاجتهاد فيها، فمن فعل فهو مشاق مفتر.
3- وقول الله تعالى: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم). فجعل الله حد الهداية؛ المماثلة لما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وهي الفرقة الناجية، وجعل من ترك هذه المماثلة قد تولى بسبب الشقاق، وبشرنا بأنه سيكفينا إياه.
وهذه الآيات الثلاث تقصم ظهور المبتدعة المفترين وتزهق باطلهم.
4- وقول الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).
5- وقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
6- وقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِين). وقول أبي قلابة رحمه الله: (هذا جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة).
7- وفي حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد). والرد راجع إلى المحْدِث والمحدَث، كما قال تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ). والإعراض عنهم تصبحه الاستعاذة بالله منهم، وتعويذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الرجس النجس والشيطان الرجيم وأوليائه.
الثاني: المتكلفون
1- وقول الله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين).
2- وقول الله تعالى: (إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون).
3- وقول الله تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ).
4- وقول الله تعالى: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولا).
5- وقال صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون).
6- وفي حديث النفر الذين تقالوا عبادته؛ قال صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني).
الثالث: المتبوعون بإطلاق
1- وقول الله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ). قال العلماء: وهذه الآية شرف أصحاب الحديث.
2- وقول الله تعالى: (فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد . يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُود).
3- وقول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ). فاشترط الإحسان في متابعة غير الرسول صلى الله عليه وسلم أيًا كان.
4- وروى الدارمي في مقدمته عن عليٍّ رضي الهت عنه قال : (لو أن رجلاً صام الدهر كله وقام الدهر كله، ثم قتل بين الركن والمقام؛ لحشره الله يوم القيامة مع من يرى أنه كان على هدى).
الرابع: الآرائيون- ومنهم القَيّاسون
1- وقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إياكم والرأي! فإن الله ردَّ الرأي على الملائكة، وذلك أن الله قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، فقالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها... إلى آخر الآية، قال: إني أعلم ما لا تعلمون. وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: احكم بينهم بما أراك الله، ولم يقل: احكم بينهم بما رأيت). وقال رجل لعمر: (بما أراك الله، فقال: مه!! إنما هذه للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة). رواهما ابن المنذر في تفسيره.
2- وقول الله تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا).
3- وقال عليٌّ رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي؛ كان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح ظاهرهما).
الخامس: المحتالون
1- وقول الله تعالى: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون).
2- وقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِين . يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون).
3- وقول الله تعالى عن مسخ أهل الحيل قردة وخنازير: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين).
السادس: المخلِّطون المترددون
1- وقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون).
وروى أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ما تلا هذه الآية؛ قال: (استقاموا والله لله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب).
2- وقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُون).
3- وقول الله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيب).
السابع: العجزة المتخاذلون
1- وقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيل . إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير).
2- وقول الله تعالى: (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ).
3- وقول الله تعالى: (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ).
4- وقول الله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُون).
5- وقول الله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب).
6- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية- وفي لفظ: ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله- ولكن لا أجد حمولة ولا أجد ما أحملهم عليه ويشق علي أن يتخلفوا عني ولوددت أني قاتلت في سبيل الله فقتلت، ثم أحييت، ثم قتلت ثم أحييت). رواه البخاري.
وهذه المنفيات السبع تجمعها سورة (الكوثر).