الجود والإنفاق
الجود والإحسان وصرف المال في وجوه الخير من صفات أهل الإيمان، والحرص والبخل والتقتير من صفات الكافرين، وسبب الفرق بين الفريقين: أن المؤمن يعتقد بأن الرزق من الله تعالى، وهو مضمون، وأن الكافر يخشى دائماً الفقر لأنه لا يحسن الظن بالله تعالى، وينظر إلى الحياة نظرة مادية آلية، ويرى أن المال يتحرك بقدرة الإنسان، مع أن الأموال لا تنتقل ولا يتيسر الحصول عليها إلا بإذن الله وتوفيقه وتيسيره الرزق لمخلوقاته، وما على الإنسان إلا السعي والعمل، ويترك تقدير النتائج وتحقيق الغايات وتحصيل الأرزاق إلى الله تعالى، فهو المالك لكل شيء، وبيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: 34/39] أي: يعوضه، وقال سبحانه: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 2/272]. أي: لا تنفقون شيئاً إلا طلباً لمرضاة الله، وأن الله يعيده إليكم من غير نقصان.
وقال عز وجل: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 2/273]. فالله يعلم جميع ما في السماوات والأرض، ويعلم كل نفقة صغيرة أو كبيرة يقصد بها وجهه.
وتؤيد الأحاديث النبوية اتجاه القرآن الكريم في الحث على الإنفاق واجتناب الإمساك والبخل، وترغّب في التنافس في الخيرات، جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا مَلَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تَلَفاً»، وهذا دعاء من أحد الملائكة للمنفق في الواجبات والمندوبات بإعطائه البدل أو العوض في الدنيا والآخرة، ودعا على البخيل الممتنع من الإنفاق مطلقاً بإهلاك ماله أو هلاك نفسه، مما يدل على الحضِّ على الإنفاق الممدوح، وهو كما ذكر الإمام النووي: الإنفاق في الطاعات والعيال والضيفان والتطوعات، ويؤيده حديث آخر متفق عليه عن أبي هريرة أيضاً: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: أَنفِق يا ابن آدم يُنْفَق عليك» أي: أنفق أيها المؤمن في وجوه الخير المأذون بها شرعاً إيماناً واحتساباً يوسع الله عليك ويعوِّضك بدلاً عنه.
وامتدح النبي صلى الله عليه وسلم التنافس والتسابق في أعمال الخير والإنفاق في سبيل الله وتمني الصعود إلى درجة المحسنين الأبرار، فقال في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلَكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلِّمها».
أي: إن الحسد: وهو تمني زوال ما لدى غيرك، مذموم، والغبطة: وهي تمني ما يكون لديك مثل ما في يد غيرك من غير تمني زوال النعمة عنه، ممدوحة. ويدل الحديث على أمرين: فضل الغني الشاكر الذي ينفق جوداً ماله في مرضاة الله تعالى، وفضل العلم بأحكام الشرع وتعليمه للناس.
والنفقة في سبيل الله يثاب عليها المسلم وتقيه عذاب النار، قال عليه الصلاة والسلام في حديث متفق عليه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» وهو حث على الصدقة ولو بالشيء اليسير.
والنفقة المفضلة: أن تكون وأنت غني صحيح موسر ولا تنتظر حتى يصير المال مال الورثة، روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر». أي: إن ما قدَّمه في حال حياته بأن تصدق به أو أنفقه في حوائجه المعروفة من أكل وشرب ولبس ونحوها هو المأخوذ من مال الإنسان، وأما الوصايا بعد الموت فإنها في الواقع من مال الورثة، لأن التركة تنتقل بالموت فوراً إلى الورثة، فما بعد الموت تصير أموال الإنسان لورثته حقيقة، وفي ذلك الحث على تقديم الخير من المال في وجوه الخير المشروعة ليلقى الإنسان ثواب ذلك سلفا في آخرته وبعد مفارقته الدنيا.
•أهم المصادر والمراجع:
- خلق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- التفسير المنير: د. وهبة الزحيلي.
- الجامع لأحكام القرآن: الإمام القرطبي.
- خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي.
- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.